تأسست الجامعة الملكية المغربية للشطرنج في الثاني من نوفمبر 1963 بفندق زلاغ بفاس. كانت تجسيدا لطموح جيل من الشطرنجيين المغاربة الرواد، في خلق مؤسسة وطنية تلم شمل كافة الهواة واللاعبين الممارسين لهذه الرياضة الذهنية النبيلة. وبعد صعوبات البداية، استطاعت أن تحقق العديد من المكتسبات والمنجزات، لا يسع المقام الآن لتفصيلها ومناقشتها. وتشكل الفترة التي تولى خلالها المرحوم مصطفى البقالي رئاسة الجامعة (1975– 1986) مرحلة هامة في تاريخها، حيث تمكن ـ معضدا ـ بخبرة وكفاءة الأستاذ محمد حسين البهاوي، ومساهمة طاقم جامعي نشيط، من تدعيم أسسها الإدارية، وتنويع أنشطتها الوطنية، وتوسيع خريطة الأندية الشطرنجية والمشاركة في جملة من التظاهرات الدولية، في حدود ما كانت تتيحه الموارد المالية المتواضعة للجامعة، التي كانت تعتمد أساسا على منحة الوزارة الوصية، حيث لم تتعد في أحسن الأحوال مبلغ 60.000 درهما سنويا.
• وما لبثت الجامعة الملكية المغربية للشطرنج أن شهدت اضطرابات متتالية في مسيرتها، أعاقت تطوها الطبيعي، حيث بدأت الخلافات تطفو على السطح وتتأجج بصفة دورية، وسرعان ما تتحول إلى صراعات طاحنة ولاسيما بمناسبة انتخاب الرئيس أو تجديد ولايته. ولا يحسن التعلل دائما بضعف الموارد أو ضآلة الأنشطة أو سوء التدبير لتبرير الأزمات المتعاقبة التي مرت منها الجامعة. وينبغي ـ في رأيي المتواضع ـ التعمق في تحليل هذه الظاهرة حتى نتمكن من تقديم تفسير معقول لها.
• ولعل منطلق تحليلي المتواضع يكمن في الإطار القانوني للجامعة الملكية المغربية للشطرنج نفسه، بمختلف صيغه والتحويرات التي تم إدخالها عليه، حيث كرس دائما هيمنة الرئيس على مختلف أجهزة الجامعة، وفي طليعتها المكتب الجامعي، الذي يظل اختياره أو انتخابه رهينا بقرار رئيس الجامعة حيث يمكنه ضمنيا أو بصريح العبارة أن يعين أعضاءه ويغير من يشاء وقتما شاء ! لقد كان للمرحوم البقالي تصوره الخاص لتسيير الجامعة، ينبثق من اعتداده برأيه وثقته بتجربته الشطرنجية الدولية المتأثرة بالجارة الأسبانية التي كانت خاضعة للنظام الفرنكوي، بكل سلبياته وإيجابياته... وحتى عندما تم استحداث المجلس الفيدرالي كجهاز وسيط بين المكتب الجامعي والجمع العام، حرص الرئيس على ألا يشكل رؤساء العصب أغلبيته المطلقة. وعندما غادر الرحوم البقالي الساحة الشطرنجية، في ديسمبر 1986 ، لفائدة غريمه السيد محمد الحلوي، ظلت دار لقمان على حالها. فقد تميز عهده منذ انطلاقته باحتقان شديد ومشاكل شائكة، أدت إلى سحب الثقة من الرئيس وتدخل الوزارة الوصية لانتخاب رئيس جديد يحظى بالإجماع في شخص المرحوم الأستاذ عبد الواحد الفاسي الفهري.ونظرا للعلاقة الخاصة التي جمعتني بهذا الشطرنجي الخدوم المتحمس، فقد ألححت لديه على ضرورة تعديل القانون الأساسي للجامعة، لتصبح مؤسسة ديمقراطية يستمد الرئيس ومكتبه الجامعي في آن واحد الثقة من الجمع العام، وتتوفر على أجهزة ولجان مختصة ذات صلاحيات حقيقية. وقد تشرفت بأن توليت مهام مقرر للجنة تعديل القانون الأساسي للجامعة. وللأسف الشديد فقد رفض المرحوم الفاسي ـ في حينه ـ توصياتها الرئيسية، متعللا بضرورة الحفاظ على وحدة صف الشطرنجيين المغاربة و الابتعاد عن صراع الرؤساء واللوائح، محتفظا بالصيغة القديمة التي تنص على انتخاب الرئيس مباشرة من طرف الجمع العام وتفويضه اختيار المكتب الذي يشاء !
• لقد فشلت شخصيا في هذا المسعى؛ وظلت علاقتي جيدة مع الأستاذ الفاسي، غير أنني احتفظت بموقفي الرافض للمشاركة في تسيير أي جهاز جامعي ما دام القانون الأساسي للجامعة غير ديمقراطي في جوهره. واعتذرت له، ثم لخلفيه من بعده الصديق المرحوم كمال الصقلي وأحمد الجعفري عن عدم قبول أي اقتراح في هذا الصدد. لقد أحسست أن كل رئيس يستلذ الاختصاصات الواسعة التي يمنحها له النظام الأساسي للجامعة، ولا يرى ضرورة لتقييد حريته وتعقيد مبادراته.
• وعندما تولى الرئيس الحالي مسؤولية الجامعة في الظروف التي نعرفها جميعا، تعهد بإجراء تعديلات جوهرية على القانون الأساسي. وبعد تماطل غير مفهوم في حينه، أتى بوثيقة هجينة مليئة بالتناقض، تنص على انتخاب الرئيس لمدة أربع سنوات من قبل الجمع العام، وتقديم الرئيس المنتخب في عين المكان للائحة تضم عشرين اسما تمثل ـ وفق نسبية معينة ـ الأندية المغربية المنتمية للأقسام الوطنية الأولى والثانية والثالثة. وعلى الجمع العام أن ينتقي اثني عشر عضوا من ضمن هذه اللائحة ويسقط الباقي ! ثم عمد الرئيس ـ لأسباب مفضوحة ـ في تعديله الأخير، إلى إلغاء المجلس الفيدرالي برمته. مهمشا بالتالي العصب التي تشكل عموده الفقري. وعوضه "بمجلس استشاري" يترأسه بنفسه، ولم يجد السيد أمزال لحد الساعة ضرورة لانعقاده، رغم التنصيص في القانون الأساسي على دوريته نصف السنوية. ولا يوفر القانون أية سلطة حقيقية للجان القارة أو المختصة بعيدا عن وصاية الرئيس. وضمنها اللجنة التأديبية التي يؤلفها في كل مرة من أعضاء مختلفين، يأتمرون بأمره. منصبا نفسه خصما وحكما في القضايا التي يشكل في الغالب أحد أطرافها !
• إن أي إصلاح جوهري لأوضاع الجامعة الملكية المغربية للشطرنج يجب أن ينطلق من إصلاح هياكلها القانونية المتقادمة أو المتجاوزة أو الهجينة. نريد جامعة ديمقراطية في تسييرها، ينتخب رئيسها من طرف الجمع العام، ويخضع لوصايته الحقيقية، وينفذ توصياته العامة، ويحترم الأجهزة المنبثقة عنه. كما يصادق الجمع العام على أعضاء المكتب الجامعي بكامله، بحيث لا يجوز للرئيس إقالة أو تغيير عضو يتولى منصبا أساسيا كالكتابة العامة أو أمانة المال إلا بموافقة الجمع العام. نريد جامعة عقلانية في تدبيرها، تتوفر على إدارة فعالة، ولجان مختصة واضحة الأهداف والمهام، تتمتع باستقلالية واسعة في عملها، دون المساس باختصاصات المكتب الجامعي، المحددة بالقانون.
• نريد جامعة عصرية، ينتخب رئيسها بناء على درايته الشطرنجية، وسمعته الرياضية، وتجربته الميدانية، وعلاقاته العامة التي تمكنه من تمثيل الأسرة الشطرنجية على خير ما يرام، والتفاوض مع المؤسسات العامة والمقاولات الخاصة والجمعيات الوطنية من أجل تدعيم موارد الجامعة، وتطوير أنشطتها الشطرنجية، وتعزيز حضورها الرياضي والإعلامي. نريد مكتبا جامعيا كفؤا ممثلا للأندية الشطرنجية الوازنة، يختار أعضاؤه وفق كفاءاتهم لا ولائهم للرئيس. نريد لجانا متخصصة تستقطب أبرز الأطر والحكام والمدربين المغاربة، بغض النظر عن مكان إقامتهم. ففي زمن التواصل والأنترنيت، لم تعد للاعتبارات الجغرافية نفس الأهمية السالفة في التدبير اليومي للملفات، وإعداد الأنشطة، ومتابعة البرامج وغيرها. نريد جامعة منفتحة على التطورات التكنولوجية المعاصرة، مؤمنة بمزايا التواصل، متوفرة على موقع إلكتروني حي متفاعل. نريد جامعة مبادرة تستثمر في المستقبل. فتخطط لنشر هذه الرياضة الذهنية النبيلة لدى الناشئة من خلال شراكة حقيقية مع وزارة التربية الوطنية، ومثيلاتها من القطاعات المعنية بالتكوين والشباب، وتشجيع المواهب الواعدة واحتضان الأبطال الصغار. نريد ـ أولا وأخيرا ـ جامعة تحسن الاستماع إلى الرأي الآخر، وتسلك سبيل الحكمة والرزانة في تدبير الاختلاف، ومواجهة الأزمات...